الجمهورية العربية السورية ترحب بكم

الجمهورية العربية السورية ترحب بكم
ما إن رأيت تلك الافتة حتى قفزت السعادة من قلبي وحطّت على وجنتي
أيعقل إني وصلت بلادي ! , نعم إني هنا في ربوعها وأبعد كيلومترات عن نشأتي , يا الله شكراً لك
إني أشم عبق ياسمينها يتسلل بين الحواجز عابراً للنسمات الربيعية ليستقر داخل أنفي
لا أريد التحدث كثيراً عن هذه اللحظة دعوني أتنفسها أولاً
نسيت أن أعرفكم عني
اسمي بسمة أبلغ من العمر ثلاثة وعشرون عاماً من دمشق , نحن عائلة تتكون من أربعة أفراد لدي أخ يكبرني ب ثلاث سنوات اسمه تيم وأمي حفظها الله أتمت اليوم عامها السادس والخمسون
قد شبّت الحرب في وطني على حين غفلة والأوضاع في تأزم ولم أستطع إكمال دراستي أثر ذلك واضطررنا للنزوح إلى قلب دمشق ,
في الحرب سوف تخرج من بيتك , قد تسمع نبأ دمار مدرستك , تضطر للنزوح إلى أقاربك , أو ربما لحديقة عامة ! , المهم ان الاستقرار في حياتك سيكون شبه معدوم وبكل أسف
والدي - رحمه الله - توفي أثر جلطة قلبية , وبعد وفاته بأيام أغلقت الحياة أبوابها في وجوهنا , ولم نرى أنفسنا إلا على طريق بري شبه خالي من البشر سوانا متجهين لدولة مجاورة أحتضنتنا بـ حب
أطمئنوا , أيام قليلة وسنعود إليها , ربما شهر لا أكثر , هذا ما قالته أمي وهذه الأيام القليلة أتمت عامها الخامس , آه يا أمي ماذا سيخبئ لنا القدر أيضاً
صدقوني مرت أيامنا سريعاً على رغم صعوبتها في بادئ الأمر , تيم لم يكمل دراسته وكرّس حياته لي ولأمي , عمل بإحدى المولات القريبة من بيتنا وبراتب لا يكفي سوى لآجار البيت ولقمة العيش , أما أنا فكنت شغوفة بالعلم التحقت بمدرسة حكومية وأنهيت المرحلة الثانوية بتقدير ممتاز وعلى أثره حصلت على منحة دراسية مجانية مقدمة من أكبر الجامعات المرموقة ودون تردد دخلت كلية الصحافة و الأعلام بكل حماس وحب ! , الحمد لك يا الله على كل شيء فأنا لم أحلم يوماً بمثل تلك الفرصة ونحن في هذه الظروف العصيبة وأخيراً حلمي الطفولي في تحقق
اليوم يوم مهم في حياتي , لا ليس في حياتي فقط بل في حياة أمي وأخي وحتى أبي الذي يرقد تحت التراب
اليوم أقف أمام والدتي وأخي وزميلاتي وصديقاتي بثوب أنتظرته أعوام
لا تشردوا بأذهانكم بعيداً فهو ليس الثوب المنتظر من فارس الأحلام الذي ترسمه كل فتاة في خيالها , بل هذا الثوب أهم مما تظنوا بالنسبة لي
إنه ثوب تخرجي من جامعتي الحبيبة ! أقف وبيدي شهادة الصحافة وأرى بريق الفخر في التماع أعين عائلتي ممزوجاً بدموع السعادة التي انتظروها طويلاً
بعد مدة قصيرة , حصلت على عملٍ في إحدى الصحف المحلية وكتبت العشرات من المقالات الأسبوعية المتنوعة , أحببت عملي بكل تفاصيله و صراحةً كان هذا أفضل شيء حصل معي إلى الآن
في إحدى مقالاتي كتبت عن وطني الجريح أستغثت كل من قرأ لي أن يدعو الله معي بأن يعم الأمان والاستقرار وأن أعود إليه فإن شوقي أذاب قلبي حنيناً له
أجهل إن كنت سأعيش بقية عمري هنا لطالما أحببت هذا البلد ايضاً , قدم لي الكثير وما زال يقدم , ولو تحقق حلمي الأكبر و عدت إلى بلدي الأول فحتماً سآتي لزيارة بلدي الثاني
أنا أجهل المستقبل القريب البعيد , أجهل قدري
الآن أتمم سطوري هذه , أكتبها لكم بعمق المشاعر , أنتم أيها القراء , لا أريد تعاطفكم ولا اريد حزناً ولا دموعاً , أريد دعاءاً صادقاً من قلوبكم لها .
قد تتسائلون عن المغزى من عنوان قصتي إلى بدايتها , عودوا وأقرءوها مجدداً
إنه حلم يراودني بإستمرار , حلم العودة , يزوروني كل ليلة في منامي , أعيش تفاصيله في خيالي , أتساءل دوماً كيف سيكون أول لقاء مع سوريتي بعد غياب طويل هل سأميز حيّ الذي ترعرعت فيه أم أن ملامحه ستكون مشوهة
أردت بأن أخبركم عنه لعلكم تجدون طريقاً لعودتي
لعله يتحقق
لو تحقق حلمي و عدت يوماً إلى وطني إلى دمشق أعدكم أن أكمل لكم ما حصل معي بعد تلك السطور الأربعة الاولى

****
لينا السمحه ٢٠١٦م
.